فصل: تفسير الآيات رقم (1- 4)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تَفْسِيرُ سُورَةِ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك‏}‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 8‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى‏}‏‏.‏

يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏}‏ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ اقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ بِذِكْرِ رَبِّكَ ‏{‏الَّذِي خَلَقَ‏}‏ ثُمَّ بَيْنَ الَّذِي خَلَقَ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ‏}‏ يَعْنِي‏:‏ مِنْ الدَّمِ، وَقَالَ‏:‏ مِنْ عَلَقٍ؛ وَالْمُرَادُ بِهِ مِنْ عَلَقَةٍ؛ لِأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْجَمْعِ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ شَجَرَةٌ وَشَجَرٌ، وَقَصَبَةٌ وَقَصَبٌ، وَكَذَلِكَ عَلَقَةٌ وَعَلَقٌ‏.‏ وَإِنَّمَا قَالَ‏:‏ مِنْ عَلَقٍ وَالْإِنْسَانُ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى جَمْعٍ، وَإِنْ كَانَ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، فَلِذَلِكَ قِيلَ‏:‏ مِنْ عَلَقٍ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ اقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ‏{‏الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ‏}‏ خَلْقَهُ لِلْكِتَابَةِ وَالْخَطِّ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏}‏ قَرَأَ حَتَّى بَلَغَ ‏{‏عَلَّمَ بِالْقَلَمِ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْقَلَمُ‏:‏ نِعْمَةٌ مِنْ اللَّهِ عَظِيمَةٌ، لَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَقُمْ، وَلَمْ يَصْلُحْ عَيْشٌ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ هَذِهِ أَوَّلُ سُورَةٍ نَـزَلَتْ فِي الْقُرْآنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الْبَصْرِيِّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبِي، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ رَاشِدٍ يَقُولُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، «عَنْ عَائِشَة أنَّهَا قَالَتْ كَانَأَوَّلُ مَا ابْتُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةِ؛ كَانَتْ تَجِيءُ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاء، فَكَانَ بِغَارِ حِرَاءَ يَتَحَنَّثُ فِيهِ اللَّيَالِي ذَوَاتِ الْعَدَدِ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ فَيَتَزَوَّدُ لِمَثَلِهَا، حَتَّى فَجَأَهُ الْحَقُّ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ‏:‏ ‏"‏ فَجَثَوْتُ لِرُكْبَتَيَّ وَأَنَا قَائِمٌ، ثُمَّ رَجَعْتُ تَرْجُفُ بَوَادِرِي، ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، فَقُلْتُ‏:‏ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، حَتَّى ذَهَبَ عَنِّي الرَّوْعُ، ثُمَّ أَتَانِي فَقَالَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ، أَنَا جِبْرِيلُ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ فَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَطْرَحَ نَفْسِيّ مِنْ حَالِقٍ ‏[‏مِنْ جَبَلٍ‏]‏ فَتَمَثَّلَ إِلَيَّ حِينَ هَمَمْتُ بِذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ، أَنَا جِبْرِيلُ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ اقْرَأْ، قُلْتُ‏:‏ مَا أَقْرَأُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَأَخَذَنِي فَغطَّنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏}‏ فَقَرَأْتُ، فَأَتَيْتُ خَدِيجَة، فَقَلْتُ‏:‏ لَقَدْ أَشْفَقْتُ عَلَى نَفْسِي، فَأَخْبَرْتُهَا خَبَرِي، فَقَالَتْ‏:‏ أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، وَوَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتُؤَدِّي الْأَمَانَةَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبَ الْحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِي إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ، قَالَتْ‏:‏ اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ، فَسَأَلَنِي، فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي، فَقَالَ‏:‏ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْـزِلَ عَلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعٌ، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، قُلْتُ‏:‏ أوَ مُخْرِجَيَّ هُمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، إِنَّهُ لَمْ يَجِئْ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ، إِلَّا عُودِيَ، وَلَئِنْ أَدْرَكَنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ كَانَ أَوَّلُ مَا نَـزَلَ عَلِيَّ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ ‏(‏اقْرَأْ‏)‏‏:‏ ‏{‏ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلَّى خُلُقٍ عَظِيمٍ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ‏}‏ و ‏{‏يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ‏}‏ ‏{‏وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى‏}‏»‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي عُرْوَةُ أَنْ عَائِشَة أخْبَرَتْهُ، وَذَكَرَ نَحْوَهُ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقِلْ‏:‏ ‏"‏ ثُمَّ كَانَ أَوَّلُ مَا أُنْـزِلَ عَلِيّ مِنْ الْقُرْآنِ‏.‏‏.‏‏.‏ الْكَلَامُ إِلَى آخِرِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ، قَالَ‏:‏ «أَتَى جِبْرِيلُ مُحَمَّدًا، فَقَالَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏وَمَا أَقَرَأُ‏؟‏ ‏"‏قَالَ‏:‏ فَضَمَّهُ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ اقْرَأْ، قَالَ‏:‏ ‏"‏وَمَا أقْرَأُ‏؟‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ ‏{‏بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏}‏ حَتَّى بَلَغَ ‏{‏عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ‏}‏‏.‏ قَالَ‏:‏ فَجَاءَ إِلَى خَدِيجَة، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ يَا خَدِيجَةمَا أَرَاهُ إِلَّا قَدْ عَرَضَ لِي ‏"‏، قَالَتْ‏:‏ كَلَّا وَاللَّهِ مَا كَانَ رَبُّكَ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِكَ، وَمَا أَتَيْتَ فَاحِشَةً قَطُّ؛ قَالَ‏:‏ فَأَتَتْ خَدِيجَةوَرَقَةَ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ، قَالَ‏:‏ لَئِنْ كُنْتِ صَادِقَةً إِنَّ زَوْجَكِ لِنَبِيٌّ، وَلَيَلْقَيَنَّ مِنْ أُمَّتِهِ شِدَّةً، وَلَئِنْ أَدْرَكَتْهُ لِأُومِنَنَّ بِهِ، قَالَ‏:‏ ثُمَّ أَبْطَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَة‏:‏ مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا قَدْ قَلَاكَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى‏}‏»‏.‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَة- قَالَ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ قَالَ سُفْيَانُ‏:‏ حَفِظَهُ لَنَا ابْنُ إِسْحَاقَ- إِنَّأَوَّلَ شَيْءٍ أُنْـزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ النَّيْسَابُورِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَة، أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ أُنْـزِلَتْ مِنْ الْقُرْآنِ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْن الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ‏:‏ أَوَّلُ سُورَةٍ نَـزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ‏:‏ فَذَكَرَ نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا قُرَّةُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو رَجَاءٍ العَطَارِدِيُّ، قَالَ‏:‏ كُنَّا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَمُقْرِئنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ بَيْنَ بُرْدَيْنِ أَبْيَضَيْنِ؛ قَالَ أَبُو رَجَاءٍ‏:‏ عَنْهُ أَخَذْتُ هَذِهِ السُّورَةِ‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏}‏ وَكَانَتْ أَوَّلُ سُورَةٍ نَـزَلَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلَمَةُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ‏:‏ أَوَّلُ سُورَةٍ نَـزَلَتْ مِنْ الْقُرْآنِ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَا‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ أَوَّلُ مَا نَـزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏}‏ وَزَادَ ابْنُ مَهْدِيٍّ‏:‏ وَ‏(‏ن وَالْقَلَمِ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ‏:‏ أَوَّلُ مَا أُنْـزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏}‏‏.‏

قَالَ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ العَطَارِدِيِّ، قَالَ‏:‏ إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي مَسْجِدِ الْبَصْرَةِ، وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَبْيَضَانِ، فَأَنَا أَخَذْتُ مِنْهُ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏}‏، وَهِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْـزِلَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ‏:‏ إِنَّأَوَّلَ سُورَةٍ أُنْـزِلَتْ‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ‏}‏‏.‏ ثُمَّ ‏(‏ن وَالْقَلَمِ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ‏}‏يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ الْخَطَّ بِالْقَلَمِ، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ مَعَ أَشْيَاءَ غَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا عَلَّمَهُ وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ خَطًّا بِالْقَلَمِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏كَلًّا‏)‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ مَا هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ أَنْ يُنْعِمَ عَلَيْهِ رَبُّهُ بِتَسْوِيَتِهِ خَلْقِهِ، وَتَعْلِيمِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَإِنْعَامِهِ بِمَا لَا كُفْءَ لَهُ، ثُمَّ يَكْفُرُ بِرَبِّهِ الَّذِي فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، وَيَطْغَى عَلَيْهِ، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى‏}‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَتَجَاوَزُ حَدَّهُ، وَيَسْتَكْبِرُ عَلَى رَبِّهِ، فَيَكْفُرُ بِهِ؛ لِأَنْ رَأَى نَفْسَهُ اسْتَغْنَتْ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنْ رَآهُ اسْتَغْنَى لِحَاجَةٍ ‏"‏رَأَى‏"‏ إِلَى اسْمٍ وَخَبَرٍ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ فِي كُلِّ فِعْلٍ اقْتَضَى الاسْمَ وَالْفِعْلَ، إِذَا أَوْقَعَهُ الْمُخْبَرُ عَنْ نَفْسِهِ عَلَى نَفْسِهِ، مُكَنِّيًا عَنْهَا فَيَقُولُ‏:‏ مَتَى تَرَاك خَارِجًا‏؟‏ وَمَتَى تَحْسَبُك سَائِرًا‏؟‏ فَإِذَا كَانَ الْفِعْلُ لَا يَقْتَضِي إِلَّا مَنْصُوبًا وَاحِدًا، جَعَلُوا مَوْضِعَ الْمُكَنَّى نَفْسَهُ، فَقَالُوا‏:‏ قَتَلْتَ نَفْسَكَ، وَلَمْ يَقُولُوا‏:‏ قَتَلْتُكَ وَلَا قَتَلَتُهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى‏}‏‏:‏ يَقُولُ‏:‏ إِنْ إِلَى رَبِّك يَا مُحَمَّدُ مَرْجِعَهُ، فَذَائِقٌ مِنْ أَلِيمِ عِقَابِهِ مَا لَا قِبَل لَهُ بِهِ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏9- 10‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى‏}‏‏.‏

ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَا بَعْدَهَا نَـزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِيمَا بَلَغَنَا‏:‏ لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي، لَأَطَأَنَّ رَقَبَتَهُ، وَكَانَ فِيمَا ذُكِرَ قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَرَأَيْتَ يَا مُحَمَّدُ أَبَا جَهْلٍ الَّذِي يَنْهَاكَ أَنْ تُصَلِّيَ عِنْدَ الْمَقَامِ، وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ الْحَقِّ، مُكَذِّبٌ بِهِ‏.‏ يُعَجِّبُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ جَهْلِ أَبِي جَهْلٍ، وَجَرَاءَتِهِ عَلَى رَبِّهِ، فِي نَهْيِهِ مُحَمَّدًا عَنْ الصَّلَاةِ لِرَبِّهِ، وَهُوَ مَعَ أَيَادِيهِ عِنْدَهُ مُكَذِّبٌ بِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ‏.‏ عَنْ مُجَاهِدٍ‏.‏ فِيقَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى‏}‏قَالَ‏:‏ أَبُو جَهْلٍ، يَنْهي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ‏.‏ عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى‏}‏ نَـزَلَتْ فِي عَدُوِّ اللَّهِ أَبِي جَهْل، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ‏:‏ لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ مَا تَسْمَعُونَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو جَهْلٍ‏:‏ لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لَأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ؛ قَالَ‏:‏ وَكَانَ يُقَالُ‏:‏ لِكُلِّ أَمَةٍ فِرْعَوْنُ، وَفِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو جَهْلٍ‏.‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقَ بْنُ شَاهِينَ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا خَالِدٌ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ «كَانَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَجَاءَهُ أَبُو جَهْلٍ، فَنَهَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ‏}‏»‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏11- 12‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ‏}‏ مُحَمَّدٌ ‏{‏عَلَى الْهُدَى‏}‏ يَعْنِي‏:‏ عَلَى اسْتِقَامَةٍ وَسَدَادٍ فِي صَلَاتِهِ لِرَبِّهِ ‏{‏أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى‏}‏ أَوْ أَمَرَ مُحَمَّدٌ هَذَا الَّذِي يَنْهَى عَنِ الصَّلَاةِ بِاتِّقَاءِ اللَّهِ، وَخَوْفِ عِقَابِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى‏}‏ قَالَ مُحَمَّدٌ‏:‏ كَانَ عَلَى الْهُدَى، وَأَمَرَ بِالتَّقْوَى‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ‏}‏ أَبُو جَهْلٍ بِالْحَقِّ الَّذِي بَعَثَ بِهِ مُحَمَّدًا ‏(‏وَتَوَلَّى‏)‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَدْبَرَ عَنْهُ، فَلَمْ يُصَدِّقْ بِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى‏}‏ يَعْنِي‏:‏ أَبَا جَهْلٍ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏14- 19‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَلَمْ يَعْلَمْ أَبُو جَهْلٍ إِذْ يَنْهَى مُحَمَّدًا عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَالصَّلَاةِ لَهُ، بِأَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ فَيَخَافُ سَطْوَتَهُ وَعِقَابَهُ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى، أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى، فُكَرِّرَتْ أَرَأَيْتَ مَرَّاتٍ ثَلَاثًا عَلَى الْبَدَلِ‏.‏ وَالْمَعْنَى‏:‏ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى، وَهُوَ مُكَذِّبٌ مُتَوَلٍّ عَنْ رَبِّهِ، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَيْسَ كَمَا قَالَ‏:‏ إِنَّهُ يَطَأُ عُنُقَ مُحَمَّدٍ، يَقُولُ‏:‏ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ‏.‏

وَ‌قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ أَبُو جَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدٍ ‏{‏لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَنَأْخُذُنَّ بِمُقْدِمِ رَأْسه، فَلْنَضْمَنْهُ وَلِنُذِلُّنَّهُ؛ يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ سَفَعَتْ بِيَدِهِ‏:‏ إِذَا أَخَذَتْ بِيَدِهِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إِنَّمَا قِيلَ ‏{‏لَنَسْفَعَنَّ بِالنَّاصِيَةِ‏}‏ وَالْمَعْنَى‏:‏ لَنُسَوِّدُنَّ وَجْهَهُ، فَاكْتَفَى بِذِكْرِ النَّاصِيَةِ مِنْ الْوَجْهِ كُلِّهِ؛ إِذْ كَانَتْ النَّاصِيَةُ فِي مُقَدَّمِ الْوَجْهِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ لَنَأْخُذُنَّ بِنَاصِيَتِهِ إِلَى النَّارِ، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏{‏فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ‏}‏‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ‏}‏ فَخَفْضَ نَاصِيَةً رَدًّا عَلَى النَّاصِيَةِ الْأَوْلَى بِالتَّكْرِيرِ، وَوَصَفَ النَّاصِيَةَ بِالْكَذِبِ وَالْخَطِيئَةِ، وَالْمَعْنَى لِصَاحِبِهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَلْيَدْعُ أَبُو جَهْلٍ أَهْلَ مَجْلِسِهِ وَأَنْصَارِهِ مِنْ عَشِيرَتِهِ وَقَوْمِهِ، وَالنَّادِي‏:‏ هُوَ الْمَجْلِسُ‏.‏

وَإِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ فِيمَا بَلَغَنَا؛ لِأَنَّ أَبَا جَهْلٍ لَمَّا نَهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْمَقَامِ، انْتَهَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَغْلَظَ لَهُ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ‏:‏ عَلَامُ يَتَوَعَّدُنِي مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْوَادِي نَادِيًا‏؟‏ فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ‏}‏، فَلْيَدْعُ حِينَئِذٍ نَادِيَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ دَعَا نَادِيَهُ، دَعَوْنَا الزَّبَانِيَةَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ جَاءَتْ الْأَخْبَار، وَقَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ الْآثَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ؛ وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ جَمِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، جَمِيعًا عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ، فَمَرَّ بِهِ أَبُو جَهْلٍ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ، أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا‏؟‏ وَتَوَعَّدَهُ، فَأَغْلَظَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَهَرَهُ، فَقَالَ‏:‏ يَا مُحَمَّدُ بِأَيِّ شَيْءٍ تُهَدِّدُنِي‏؟‏ أَمَا وَاللَّه إِنِّي لَأَكْثَرُ هَذَا الْوَادِي نَادِيًا، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ‏}‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ لَوْ دَعَا نَادِيَهُ، أَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَابِ مِنْ سَاعَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَجَاءَهُ أَبُو جَهْلٍ فَنَهَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ‏}‏ فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ عَلِمَ أَنِّي أَكْثَرُ هَذَا الْوَادِي نَادِيًا، فَغَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَكَلَّمَ بِشَيْء، قَالَ دَاوُدُ‏:‏ وَلَمْ أَحْفَظْهُ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ‏}‏ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَوَاللَّهِ لَوْ فَعَلَ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ مَكَانِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو جَهْلٍ‏:‏ هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقِيلَ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ وَاللَّاتُ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يُصَلِّي كَذَلِكَ، لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، لَأُعَفِّرُنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، قَالَ‏:‏ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ‏:‏ فَمَا فَجَأَهُمْ مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكِصُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ؛ قَالَ‏:‏ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ مَا لَكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خَنْدَقًا مِنْ نَار، وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً؛ قَالَ‏:‏ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا ‏"‏» قَالَ‏:‏ وَأَنْـزَلَ اللَّهُ، لَا أَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمْ لَا ‏{‏كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى‏}‏ يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ ‏{‏أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ‏}‏ يَدْعُو قَوْمَهُ ‏{‏سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ‏}‏ الْمَلَائِكَةَ ‏{‏كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ العَيْزارِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو جَهْلٍ‏:‏ لَئِنْ عَادَ مُحَمَّدٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ لِأَقْتُلُنَّهُ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏}‏ حَتَّى بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ‏}‏، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقِيلَ لَهُ‏:‏ مَا يَمْنَعُكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏ قَدْ اسْوَدَّ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنْ الْكَتَائِبِ ‏"‏‏.‏‏.‏‏.‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ وَاللَّهِ لَوْ تَحَرَّكَ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عِكْرِمَةََ، «عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ أَبُو جَهْلٍ‏:‏ لَئِنْ رَأَيْتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ، لَآتَيْنَهُ حَتَّى أَطَأَ عَلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ لَوْ فَعَلَ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عِيَانًا ‏"‏»‏.‏

وَبِالَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى النَّادِي قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْعِدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَلْيَدْعُ نَاصِرَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ‏:‏ الزَّبَانِيَةُ أَرْجُلهُمْ فِي الْأَرْضِ، وَرُءُوسُهُمْ فِي السَّمَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ «عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ‏}‏ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ لَوْ فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ لَأَخَذَتْهُ الزَّبَانِيَةُ الْمَلَائِكَةُ عِيَانًا ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ الزَّبَانِيَةُ، قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏كَلَّا‏)‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُ أَبُو جَهْلٍ، إِذْ يَنْهَى مُحَمَّدًا عَنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَالصَّلَاةِ لَهُ ‏(‏لَا تُطِعْهُ‏)‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَا تُطِعْ أَبَا جَهْلٍ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ لِرَبِّكَ ‏(‏وَاسْجُدْ‏)‏ لِرَبِّكَ ‏(‏وَاقْتَرِبْ‏)‏ مِنْهُ، بِالتَّحَبُّبِ إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ؛ فَإِنَّ أَبَا جَهْلٍ لَنْ يَقْدِرَ عَلَى ضَرِّكَ، وَنَحْنُ نَمْنَعُكَ مِنْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدُ، «عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ‏}‏ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهَا نَـزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ، قَالَ‏:‏ لَئِنْ رَأَيْتَ مُحَمَّدًا يُصَلِّي لَأَطَأَنَّ عُنُقَهُ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ‏}‏ قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَلَغَهُ الَّذِي قَالَ أَبُو جَهْلٍ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ لَوْ فَعَلَ لَاخْتَطَفَتْهُ الزَّبَانِيَةُ ‏"‏»‏.‏

آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ‏.‏

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقَدْرِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 5‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَـزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّا أَنْـزَلَنَا هَذَا الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَهِيَ لَيْلَةُ الْحُكْمِ الَّتِي يَقْضِي اللَّهُ فِيهَا قَضَاءَ السَّنَةِ؛ وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ قَدَرَ اللَّه عَلَيَّ هَذَا الْأَمْر، فَهُوَ يَقْدُرُ قَدْرًا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ نَـزَلَ الْقُرْآنُ كُلُّهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَكَانَ اللَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ فِي الْأَرْضِ شَيْئًا أَنْـزَلَهُ مِنْهُ حَتَّى جَمَعَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ أَنْـزَلَ اللَّهُ الْقُرْآنَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَكَانَ اللَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوحِيَ مِنْهُ شَيْئًا أَوْحَاهُ، فَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْن أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكْرَ نَحْوَهُ، وَزَادَ فِيهِ‏.‏ وَكَانَ بَيْنَ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ عِشْرُونَ سَنَةً‏.‏

قَالَ ثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلَابِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِمْرَانُ أَبُو الْعَوَّامِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَـزَلَ أَوَّلُ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنْ حَكِيمٍ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ نَـزَلَ الْقُرْآنُ فِي لَيْلَةٍ مِنْ السَّمَاءِ الْعُلْيَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ فُرِّقَ فِي السِّنِينَ، وَتَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ‏}‏ قَالَ‏:‏ نَـزَلَ مُتَفَرِّقًا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّ الْقُرْآنَ نَـزَلَ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كَهَيْلٍ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ أُنْـزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ أَنْـزَلَ رَبُّنَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‏:‏ ‏{‏فِيهَا يُفْرَقُ كُلُ أَمْرٍ حَكِيمٍ‏}‏‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ أُنْـزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَكَانَ بِمَوْقِعِ النُّجُومِ، فَكَانَ اللَّهُ يُنْـزِلُهُ عَلَى رَسُولِهِ، بَعْضَهُ فِي أَثَرِ بَعْضٍ، ثُمَّ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لَوْلَا نُـزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا‏}‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏لَيْلَةِ الْقَدْرِ‏}‏‏:‏ لَيْلَةِ الْحُكْمِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَيْلَةُ الْحُكْمِ‏.‏

ثَنَا وَكِيعٌ‏.‏ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ يُؤْذَنُ لِلْحَجَّاجِ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَيَكْتُبُونَ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ، فَلَا يُغَادِرُ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَلَا يُزَادُ فِيهِمْ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ كُلْثُومَ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَجُلٌ لِلْحَسَنِ وَأَنَا أَسْمَعُ‏:‏ رَأَيْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي كُلِّ رَمَضَانَ هِيَ؛ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِنَّهَا لَفِي كُلِّ رَمَضَانَ، وَإِنَّهَا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، ‏{‏فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ‏}‏ فِيهَا يَقْضِي اللَّهُ كُلَّ أَجَلٍ وَعَمَلٍ وَرِزْقٍ، إِلَى مِثْلِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي كُلِّ رَمَضَانَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَا أَشْعَرَكَ يَا مُحَمَّدُ أَيُّ شَيْءٍ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ الْعَمَلُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِبِمَا يُرْضِي اللَّهَ، خَيْرٌ منَ الْعَمَلِ فِي غَيْرِهَا أَلْفَ شَهْرٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَمَلُهَا وَصِيَامُهَا وَقِيَامُهَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ عَمَلٌ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَلْفِ شَهْرٍ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ‏}‏ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ‏:‏ مَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَكَّامُ بْنُ سَلْمٍ، عَنْ الْمُثَنَّى بْن الصَّبَّاحِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يَقُومُ اللَّيْلَ حَتَّى يُصْبِحَ، ثُمَّ يُجَاهِدُ الْعَدُوَّ بِالنَّهَارِ حَتَّى يُمْسِيَ، فَفَعَلَ ذَلِكَ أَلْفَ شَهْرٍ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ‏}‏ قِيَامُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ‏:‏ مَا حَدَّثَنِي أَبُو الْخَطَّابِ الْجَارُودِيُّ سُهَيْلٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَازِنِ، قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ يَا مُسَوِّدَ وُجُوهُ الْمُؤْمِنِينَ، عَمَدْتَ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَبَايَعْتَ لَهُ، يَعْنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ فِي مَنَامِهِ بَنِي أُمِّيَّة يَعْلُونَ مِنْبَرَهُ خَلِيفَةً خَلِيفَةً، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ‏}‏ و ‏{‏إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ‏}‏ يَعْنِي مُلْكَ بَنِي أُمِّيَّةَ؛ قَالَ الْقَاسِم‏:‏ فَحَسِبْنَا مُلْكَ بَنِي أُمِّيَّةَ، فَإِذَا هُوَ أَلَّفُ شَهْرٍ‏.‏

وَأَشْبَهُ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِظَاهِرِ التَّنْـزِيلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عَمَلٌ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَلْفِ شَهْرٍ، لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ‏.‏ وَأَمَّا الْأَقْوَالُ الْأُخَرُ، فَدَعَاوَى مَعَانٍ بَاطِلَةٍ، لَا دَلَالَةَ عَلَيْهَا مِنْ خَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ، وَلَا هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي التَّنْـزِيلِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏تَنَـزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلٍ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ تَنَـزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَجِبْرِيلُ مَعَهُمْ، وَهُوَ الرُّوحُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ‏{‏بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ‏}‏ يَعْنِي بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، مِنْ كُلِّ أَمْرٍ قَضَاهُ اللَّهُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، مَنْ رِزْقٍ وَأَجَلٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ كُلِّ أَمْرٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ يُقْضَى فِيهَا مَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ إِلَى مِثْلِهَا‏.‏

فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ مُنْتَهَى الْخَبَرِ، وَمَوْضِعُ الْوَقْفِ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ ‏{‏تَنَـزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ‏}‏ لَا يُلْقُونَ مُؤْمِنًا وَلَا مُؤْمِنَةً إِلَّا سَلَّمُوا عَلَيْهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حُدِّثْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ زِيَادٍ الْفَرَّاءِ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ ‏"‏مِنْ كُلِّ امْرِئ سَلَام‏"‏ وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِهَا وَجَّهَ مَعْنَى مِنْ كُلِّ امْرِئ‏:‏ مِنْ كُلِّ مَلَكٍ؛ كَانَ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ‏:‏ تَنَـزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنٍ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ مَلِكٍ يُسَلِّمُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ؛ وَلَا أَرَى الْقِرَاءَةَ بِهَا جَائِزَةٌ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ الْقُرَّاءِ عَلَى خِلَافِهَا، وَأَنَّهَا خِلَافٌ لِمَا فِي مَصَاحِفَ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مُصْحَفٍ مِنْ مَصَاحِفَ الْمُسْلِمِينَ فِي قَوْلِهِ ‏"‏أَمْر‏"‏ يَاء، وَإِذَا قُرِئَتْ‏:‏ ‏{‏مِنْ كُلِّ امْرِئ‏}‏ لِحَقَّتِهَا هَمْزَة، تَصِيرُ فِي الْخَطِّ يَاءٌ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ‏:‏ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَّرْنَاهُ قَبْلُ، عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ قتادة‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ‏}‏ سَلَامُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَتِهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏سَلَامٌ هِيَ‏}‏ قَالَ‏:‏ خَيْرٌ ‏{‏حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏مِنْ كُلِ أَمْرٍ سَلَامٌ‏}‏ أَيْ‏:‏ هِيَ خَيْرٌ كُلُّهَا إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ‏}‏ قَالَ‏:‏ مِنْ كُلِّ أَمْرِ سَلَامٌ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ هِيَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ، هِيَ خَيْرٌ كُلُّهَا ‏{‏حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسرُوقِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ كُلِ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَا يَحْدُثُ فِيهَا أَمْرٌ‏.‏

وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ‏}‏‏:‏ إِلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ‏}‏ فَقَرَأَتْ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، سِوَى يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشِ وَالْكِسَائِيِّ ‏{‏مَطْلَعِ الْفَجْرِ‏}‏ بِفَتْحِ اللَّامِ، بِمَعْنَى‏:‏ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ تَقُولُ الْعَرَبُ‏:‏ طَلَعَتْ الشَّمْسُ طُلُوعًا وَمَطْلَعًا‏.‏ وَقَرَأَ ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَالْأَعْمَشُ وَالْكِسَائِيُّ‏:‏ ‏{‏حَتَّى مَطْلِعِ الْفَجْرِ‏}‏ بِكَسْرِ اللَّامِ، تَوْجِيهًا مِنْهُمْ ذَلِكَ إِلَى الِاكْتِفَاءِ بِالِاسْمِ مِنْ الْمَصْدَرِ، وَهُمْ يَنْوُونَ بِذَلِكَ الْمَصْدَرِ‏.‏

وَالصَّوَابُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا‏:‏ فَتْحُ اللَّامِ لِصِحَّةِ مَعْنَاهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَطْلَعَ بِالْفَتْحِ هُوَ الطُّلُوعُ، وَالْمَطْلِعَ بِالْكَسْرِ‏:‏ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَطَلُعُ مِنْهُ، وَلَا مَعْنَى لِلْمَوْضِعِ الَّذِي تَطَلُعُ مِنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَدْرِ

تَفْسِير سُورَةٍ ‏{‏لَمْ يَكُنْ‏}‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 4‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ لَمْ يَكُنْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ مَنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ ‏{‏مُنْفَكِّينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مُنْتَهِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ هَذَا الْقُرْآنُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏مُنْفَكِّينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَمْ يَكُونُوا لِيَنْتَهُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏مُنْفَكِّينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ مُنْتَهِينَ عَمَّا هُمْ فِيهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ‏}‏ أَيْ‏:‏ هَذَا الْقُرْآنُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَمْ يَكُونُوا مُنْتَهِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ؛ ذَلِكَ الْمُنْفَكُّ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمُ الْمُشْرِكُونَ، لَمْ يَكُونُوا تَارِكِينَ صِفَةَ مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِمْ، حَتَّى بُعِثَ، فَلَمَّا بُعِثَ تَفَرَّقُوا فِيهِ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُفْتَرِقِينَ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ، حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ، وَهِيَ إِرْسَالُ اللَّهِ إِيَّاهُ رَسُولًا إِلَى خَلْقِهِ، رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ‏.‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مُنْفَكِّينَ‏}‏ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدِي مِنْ انْفِكَاكِ الشَّيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلِذَلِكَ صَلُحَ بِغَيْرِ خَبَرٍ، وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَى مَا زَالَ، احْتَاجَ إِلَى خَبَرٍ يَكُونُ تَمَامًا لَهُ، وَاسْتُؤْنِفَ قَوْلُهُ ‏{‏رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ‏}‏ هِيَ نَكِرَةٌ عَلَى الْبَيِّنَةِ، وَهِيَ مَعْرِفَةٌ، كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ‏}‏ فَقَالَ‏:‏ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ بَيَانُ أَمْرِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، بِبِعْثَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ تَرْجَمَ عَنْ الْبَيِّنَةِ، فَقَالَ‏:‏ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ

‏{‏رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَقْرَأُ صُحُفًا مُطَهَّرَةً مِنْ الْبَاطِلِ

‏{‏فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فِي الصُّحُفِ الْمُطَهَّرَةِ كُتُبٌ مِنْ اللَّهِ قَيِّمَةٌ عَادِلَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ، لَيْسَ فِيهَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذَكَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً‏}‏ يَذْكُرُ الْقُرْآنَ بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِأَحْسَنِ الثَّنَاءِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَا تَفَرَّقَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَذَّبُوا بِهِ، إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ، يَعْنِي‏:‏ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الْبَيِّنَةُ، يَعْنِي‏:‏ أَنَّ بَيَانَ أَمْرِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ رَسُولٌ بِإِرْسَالِ اللَّهِ إِيَّاهُ إِلَى خَلْقِهِ، يَقُولُ‏:‏ فَلَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ تَفَرَّقُوا فِيهِ، فَكَذَّبَ بِهِ بَعْضُهُمْ، وَآمَنَ بَعْضُهُمْ، وَقَدْ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ غَيْرَ مُفْتَرِقِينَ فِيهِ أَنَّهُ نَبِيٌّ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَا أَمَرَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ إِلَّا أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين؛ يَقُولُ‏:‏ مُفْرِدِينَ لَهُ الطَّاعَةَ، لَا يَخْلِطُونَ طَاعَتَهمْ رَبِّهِمْ بِشِرْكٍ، فَأَشْرَكَتِ الْيَهُودُ بِرَبِّهَا بِقَوْلِهِمْ إِنَّ عُزَيْرًا ابْنُ اللَّهِ، وَالنَّصَارَى بِقَوْلِهِمْ فِي الْمَسِيحِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَجُحُودِهِمْ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏حُنَفَاءَ‏)‏ قَدْ مَضَى بَيَانُنَا فِي مَعْنَى الْحَنِيفِيَّةِ قَبْلُ بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهَا، غَيْرَ أَنَّا نَذْكُرُ بَعْضَ مَا لَمْ نَذْكُرْ قَبْلُ مِنْ الْأَخْبَارِ فِي ذَلِكَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ حُجَّاجًا مُسْلِمِينَ غَيْرَ مُشْرِكِينَ، يَقُولُ‏:‏ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، وَيَحُجُّوا وَذَلِكَ دِينُ الْقِيمَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ‏}‏ وَالْحَنِيفِيَّةُ‏:‏ الْخِتَانُ، وَتَحْرِيمُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَالْمَنَاسِكِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ وَلْيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَلْيُؤْتُوا الزَّكَاةَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}‏‏.‏

يَعْنِي أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ، هُوَ الدِّينُ الْقَيِّمَةُ، وَيَعْنِي بِالْقَيِّمَةِ‏:‏ الْمُسْتَقِيمَةَ الْعَادِلَةَ، وَأُضِيفَ الدِّينُ إِلَى الْقَيِّمَةِ، وَالدِّينُ هُوَ الْقَيِّمُ، وَهُوَ مِنْ نَعْتِهِ لِاخْتِلَافِ لَفْظَيْهِمَا‏.‏ وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا أَرَى فِيمَا ذُكِرَ لَنَا‏:‏ ‏{‏وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}‏ وَأُنِّثَتِ الْقَيِّمَةُ؛ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ صِفَةً لِلْمِلَّةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ‏:‏ وَذَلِكَ الْمِلَّةُ الْقَيِّمَةُ، دُونَ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ ‏{‏وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}‏ هُوَ الدِّينُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَشَرَعَ لِنَفْسِهِ، وَرَضِيَ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُتُبٌ قَيِّمَةٌ‏}‏ ‏{‏وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ وَاحِدٌ؛ قَيِّمَةٌ‏:‏ مُسْتَقِيمَةٌ مُعْتَدِلَةٌ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏6- 7‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَحَدُوا نُبُوَّتَهُ، مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ جَمِيعُهُمْ ‏{‏فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَاكِثِينَ لَابِثِينَ فِيهَا ‏(‏أَبَدًا‏)‏ لَا يَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَلَا يَمُوتُونَ فِيهَا ‏{‏أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ‏}‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْل الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ، هُمْ شَرٌّ مَنْ بَرَأَهُ اللَّهُ وَخَلَقَهُ، وَالْعَرَبُ لَا تَهْمِزُ الْبَرِّيَّة، وَبِتَرْكِ الْهَمْزِ فِيهَا قَرَأَتْهَا قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، غَيْرَ شَيْءٍ يُذْكَرُ عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ، فَإِنَّهُ حَكَى بَعْضُهُمْ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَهْمِزُهَا، وَذَهَبَ بِهَا إِلَى قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا‏}‏ ‏[‏الْحَدِيد‏:‏ 22‏]‏ وَأَنَّهَا فَعِيلَةٌ مِنْ ذَلِك‏.‏ وَأَمَّا الَّذِينَ لَمْ يَهْمِزُوهَا، فَإِنَّ لِتَرْكِهِمُ الْهَمْزَ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونُوا تَرَكُوا الْهَمْزَ فِيهَا كَمَا تَرَكُوهُ مِنْ الْمَلَكِ، وَهُوَ مَفْعَل مَنْ أَلَكَ أَوْ لَأَكَ، وَمَنْ يَرَى، وَتَرَى، وَنَرَى، وَهُوَ يَفْعَلُ مِنْ رَأَيْتُ‏.‏ وَالْآخَرُ‏:‏ أَنْ يَكُونُوا وَجَّهُوهَا إِلَى أَنَّهَا فَعِيلَةٌ مِنْ الْبَرَى وَهُوَ التُّرَابُ‏.‏ حُكِيَ عَنْ الْعَرَبِ سَمَاعًا‏:‏ بفيك الْبَرَى، يَعْنِي بِهِ‏:‏ التُّرَابَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ، وَعَبَدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ، وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ، وَآتَوْا الزَّكَاةَ، وَأَطَاعُوا اللَّهَ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى ‏{‏أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ النَّاسِ فَهُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ‏.‏ وَقَدْ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى بْنُ فَرْقَدَ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ‏{‏أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ‏}‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «أَنْتَ يَا عَلِيُّ وَشِيعَتُك»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًارَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ثَوَابُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏(‏جَنَّاتُ عَدْنٍ‏)‏ يَعْنِي بَسَاتِينُ إِقَامَةً لَا ظَعْنَ فِيهَا، تَجْرِي مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا الْأَنْهَارُ ‏{‏خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدًا، لَا يَخْرُجُونَ عَنْهَا، وَلَا يَمُوتُونَ فِيهَا

‏{‏رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ‏}‏ بِمَا أَطَاعُوهُ فِي الدُّنْيَا، وَعَمِلُوا لِخَلَاصِهِمْ مِنْ عِقَابِهِ فِي ذَلِكَ

‏(‏وَرَضُوا عَنْهُ‏)‏ بِمَا أَعْطَاهُمْ مِنْ الثَّوَابِ يَوْمَئِذٍ، عَلَى طَاعَتِهِمْ رَبِّهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَجَزَاهُمْ عَلَيْهَا مِنْ الْكَرَامَةِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ هَذَا الْخَيْرُ الَّذِي وَصَفْتُهُ، وَوَعَدْتُهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ؛ يَقُولُ‏:‏ لِمَنْ خَافَ اللَّهَ فِي الدُّنْيَا فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتَهِ، فَاتَّقَاهُ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق‏.‏

آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ لَمْ يَكُنْ

تَفْسِيرُ سُورَةِ ‏{‏إِذَا زُلْزِلَتْ‏}‏

بِسْمَ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 8‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ‏}‏ لِقِيَامِ السَّاعَةِ ‏(‏زِلْزَالَهَا‏)‏ فَرُجَّتْ رَجًّا؛ وَالزِّلْزَالُ‏:‏ مَصْدَرٌ إِذَا كُسِرَتِ الزَّايُ، وَإِذَا فُتِحَتْ كَانَ اسْمًا؛ وَأُضِيفَ الزِّلْزَالُ إِلَى الْأَرْضِ وَهُوَ صِفَتُهَا، كَمَا يُقَالُ‏:‏ لَأُكْرِمْنَّكَ كَرَامَتَكَ، بِمَعْنَى‏:‏ لَأُكْرِمْنَّكَ كَرَامَةً‏.‏ وَحَسُنَ ذَلِكَ فِي زِلْزَالِهَا، لِمُوَافَقَتِهَا رُءُوسُ الْآيَاتِ الَّتِي بَعْدَهَا‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ ‏{‏زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ‏}‏ عَلَى عَهْدِ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ مَالَكِ، أَمَا إِنَّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ قَامَتِ السَّاعَةُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ الْمَوْتَى أَحْيَاءً، وَالْمَيِّتُ فِي بَطْنِ الْأَرْضِ ثِقَلٌ لَهَا، وَهُوَ فَوْقَ ظَهْرِهَا حَيًّا ثِقَلٌ عَلَيْهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ شَبِيبٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَوْتَى‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ‏{‏وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ يَعْنِي الْمَوْتَى‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبَى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا‏}‏ مَنْ فِي الْقُبُورِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا‏}‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَقَالَ النَّاسُ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ لِقِيَامِ السَّاعَةِ‏:‏ مَا لِلْأَرْضِ وَمَا قِصَّتُهَا ‏{‏يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا‏}‏‏.‏

كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي ابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ شَبِيبٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ‏{‏وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا‏}‏ قَالَ الْكَافِرُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ الْأَرْضُ أَخْبَارَهَا، وَتَحْدِيثُهَا أَخْبَارِهَا، عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنْ تَتَكَلَّمَ فَتَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِهَذَا، وَأَوْحَى إِلَيَّ بِهِ، وَأَذِنَ لِي فِيهِ‏.‏

وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ مَرَّةً‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ تُنَبِّئُ أَخْبَارَهَا‏}‏ وَمَرَّةً‏:‏ ‏{‏تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا‏}‏‏.‏

فَكَأَنَّ مَعْنَى تُحَدِّثُ كَانَ عِنْد سَعِيدٍ‏:‏ تُنَبِّئُ، وَتَنْبِيئِهَا أَخْبَارَهَا‏:‏ إِخْرَاجُهَا أَثْقَالِهَا مِنْ بَطْنِهَا إِلَى ظَهْرِهَا‏.‏ وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلٌ عِنْدِي صَحِيحُ الْمَعْنَى، وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى‏:‏ يَوْمَئِذٍ تُبَيِّنُ الْأَرْضُ أَخْبَارَهَا بِالزَّلْزَلَةِ وَالرَّجَّةِ، وَإِخْرَاجِ الْمَوْتَى مِنْ بُطُونِهَا إِلَى ظُهُورِهَا، بِوَحْيِ اللَّهِ إِلَيْهَا، وَإِذْنِهِ لَهَا بِذَلِكَ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا‏}‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَمْرُهَا، فَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَمْرُهَا‏.‏

وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ تُنْبِّئُ أَخْبَارَهَا‏}‏ وَقِيلَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا مَنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ أَهْلِ الطَّاعَةِ وَالْمَعَاصِي، وَمَا عَمِلُوا عَلَيْهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ ‏{‏يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا عَمِلَ عَلَيْهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، ‏{‏بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَعْلَمَهَا ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ مَا كَانَ فِيهَا، وَعَلَى ظَهْرِهَا مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا‏}‏ قَالَ‏:‏ تُخْبِرُ النَّاسَ بِمَا عَمِلُوا عَلَيْهَا‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ عُنِيَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏أَوْحَى لَهَا‏)‏‏:‏ أَوْحَى إِلَيْهَا‏.‏

ذَكَر مِنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي ابْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ شَبِيبٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏(‏أَوْحَى لَهَا‏)‏ قَالَ‏:‏ أَوْحَى إِلَيْهَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا‏}‏ قِيلَ‏:‏ إِنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ التَّأْخِيرُ بَعْدُ ‏{‏لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ‏}‏ قَالُوا‏:‏ وَوَجْهُ الْكَلَامِ‏:‏ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا، لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ، يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَلَكِنَّهُ اعْتَرَضَ بَيْنَ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ‏.‏

وَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا‏}‏ عَنْ مَوْقِفِ الْحِسَابِ فِرَقًا مُتَفَرِّقِينَ، فَآخُذُ ذَاتَ الْيَمِينِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَآخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ إِلَى النَّارِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا مُتَفَرِّقِينَ، عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ، لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ، فَيَرَى الْمُحْسِنُ فِي الدُّنْيَا، الْمُطِيعُ لِلَّهِ عَمَلَهُ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ يَوْمَئِذٍ مِنْ الْكَرَامَةِ، عَلَى طَاعَتِهِ إِيَّاهُ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، وَيَرَى الْمُسِيءُ الْعَاصِي لِلَّهِ عَمَلَهُ وَجَزَاءَ عَمَلِهِ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْهَوَانِ وَالْخِزْيِ فِي جَهَنَّمَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ إِيَّاهُ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا، وَكَفْرِهِ بِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ فَمَنْ عَمِلَ فِي الدُّنْيَا وَزْنَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، يَرَى ثَوَابَهُ هُنَالِكَ ‏{‏وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَمَنْ كَانَ عَمِلَ فِي الدُّنْيَا وَزْنَ ذَرَّةٍ مِنْ شَرٍّ يَرَى جَزَاءَهُ هُنَالِكَ، وَقِيلَ‏:‏ وَمَنْ يَعْمَلْ، وَالْخَبَرُ عَنْهَا فِي الْآخِرَةِ؛ لِفَهْمِ السَّامِعِ مَعْنَى ذَلِكَ، لِمَا قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ الدَّلِيلِ قَبْلُ، عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ فَمَنْ عَمِلَ ذَلِكَ؛ دَلَالَةُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ‏}‏ عَلَى ذَلِكَ‏.‏ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَ السَّامِعِينَ، وَكَانَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏يَعْمَلْ‏)‏ حَثٌّ لِأَهْلِ الدُّنْيَا عَلَى الْعَمَلِ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَالزَّجْرِ عَنْ مَعَاصِيهِ، مَعَ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ دَلَالَةِ الْكَلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مُرَادٌ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ مَاضِي فِعْلِهِ، وَمَا لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَخْرَجَ الْخَبَرُ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ عَنْ مُسْتَقْبَلِ الْفِعْلِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا مِنْ أَنْ جَمِيعَهُمْ يَرَوْنَ أَعْمَالَهُمْ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَيْسَ مُؤْمِنٌ وَلَا كَافِرٌ عَمِلَ خَيْرًا وَلَا شَرًّا فِي الدُّنْيَا، إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ‏.‏ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُرِيهُ حَسَنَاتَهُ وَسَيِّئَاتَهُ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ‏.‏ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَرُدُّ حَسَنَاتَهُ، وَيُعَذِّبُهُ بِسَيِّئَاتِهِ‏.‏ وَقِيلَ فِي ذَلِكَ غَيْر هَذَا الْقَوْلِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ أَمَّا الْمُؤْمِنُ، فَيُعَجِّلُ لَهُ عُقُوبَةُ سَيِّئَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُؤَخِّرُ لَهُ ثَوَابَ حَسَنَاتِهِ، وَالْكَافِرُ يُعَجِّلُ لَهُ ثَوَابَ حَسَنَاتِهِ، وَيُؤَخِّرُ لَهُ عُقُوبَةَ سَيِّئَاتِهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِيهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَهُوَ يُفَسِّرُ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ مِنْ كَافِرٍ يَرَ ثَوَابَهُ فِي الدُّنْيَا فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ خَيْرٌ ‏{‏وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏}‏ مِنْ مُؤْمِنٍ يَرَ عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الدُّنْيَا وَلَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدِ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ مِنْ كَافِر، يَرَ ثَوَابَهَا فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ خَيْرٌ؛ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ شَرٍّ مِنْ مُؤْمِنٍ، يَرَ عُقُوبَتَهَا فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، حَتَّى يَخْرُجَ وَلَيْسَ لَهُ شَرٌّ‏.‏

حَدَّثَنِي أَبُو الْخَطَّابِ الْحَسَّانِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سِمَاك بْنُ عَطِيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، «عَنْ أَنَسٍ، قَالَ‏:‏ كَانَ أَبُو بَكْرٍ رِضَيَ اللَّهِ عَنْهُ يَأْكُلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَـزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏}‏ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ مِنَ الطَّعَامِ، وَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُجْزَى بِمَا عَمِلْتُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ شَرٍّ، فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا رَأَيْتَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا تَكْرَهُ فَمَثَاقِيلُ ذَرِّ الشَّرِّ، وَيَدَّخِرُ لَكَ اللَّهُ مَثَاقِيلَ الْخَيْر حَتَّى تُوَفَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَيُّوبَ، قَالَ‏:‏ وَجَدْنَا فِي كِتَابِ أَبِي قِلابة، «عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ‏:‏ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُنْـزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ‏:‏ ‏{‏فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏}‏ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ مِنَ الطَّعَامِ، وَقَالَ‏:‏ إِنِّي لَرَاءٌ مَا عَمِلْتَ، قَالَ‏:‏ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ‏:‏ مَا عَمِلْتُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏إِنَّ مَا تَرَى مِمَّا تَكْرَهُ فَهُوَ مَثَاقِيلُ ذَرِّ شَرٍّ كَثِيرٍ، وَيَدَّخِرُ اللَّهُ لَكَ مَثَاقِيلَ ذَرِّ الْخَيْرِ حَتَّى تُعْطَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَة‏"‏ وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ‏}‏»‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَيُّوبَ، قَالَ‏:‏ قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَبِي قُلَابَةَ قَالَ‏:‏ «نَـزَلَتْ ‏{‏فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏}‏ وَأَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمْسَكَ وَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَرَاءٌ مَا عَمِلْتُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ‏"‏ أَرَأَيْتَ مَا رَأَيْتَ مِمَّا تَكْرَهُ، فَهُوَ مِنْ مَثَاقِيلِ ذَرِّ الشَّرِ، وَيَدَّخِرُ مَثَاقِيلَ ذَرِّ الْخَيْرِ، حَتَّى تُعْطَوْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ‏"‏» قَالَ أَبُو إِدْرِيسَ‏:‏ فَأَرَى مِصْدَاقهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ‏:‏ «قَالَتْ عَائِشَة‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُدْعَانَ كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ، هَلْ ذَاكَ نَافِعَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏لَا إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا‏:‏ ‏"‏ رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتَيْ يَوْمَ الدِّينِ ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَفْصٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، «عَنْ عَائِشَة، قَالَتْ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا‏:‏ ‏"‏ رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتَيْ يَوْمَ الدِّينِ ‏"‏»

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرَ الشَّعْبِيِّ، «أَنَّ عَائِشَة أمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُدْعَانَ، كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيَفُكُّ الْعَانِي، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهُ شَيْئًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏لَا إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا‏:‏ ‏"‏ رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتَيْ يَوْمَ الدِّينِ ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، «عَنْ عَلْقَمَةَ، أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ يَزِيدَ الْجَعْفِيَّ، قَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمَّنَا هَلَكَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَتْ تَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَقْرِي الضَّيْف، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏ لَا ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاوُدُ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ، «عَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجَعْفِيِّ، قَالَ‏:‏ ذَهَبْتُ أَنَا وَأَخِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمَّنَا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُقِرِّي الضَّيْفَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، هَلْ يَنْفَعُهَا عَمَلُهَا ذَلِكَ شَيْئًا‏؟‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏ لَا ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ صُدْرَانَ وَابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَا ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَرَى حَسَنَاتَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَرَى حَسَنَاتَهُ فِي الدُّنْيَا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو نَعَامَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ بَشِيرٍ الضَّبِّيُّ جَدُّهُ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ «أَنَّ سَلْمَانَ بْنَ عَامِرٍ جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ‏:‏ إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَفِي بِالذِّمَّةِ، وَيُكْرِمُ الضَّيْفَ، قَالَ‏:‏ ‏"‏مَاتَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ‏"‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ ‏"‏ لَنْ يَنْفَعَهُ ذَلِكَ ‏"‏فَوَلَّى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ عَلَيَّ بِالشَّيْخِ ‏"‏فَجَاءَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ إِنَّهَا لَنْ تَنْفَعَهُ، وَلَكِنَّهَا تَكُونُ فِي عَقِبِهِ؛ فَلَنْ تُخْزَوْا أَبَدًا، وَلَنْ تَذِلُّوا أَبَدًا، وَلَنْ تَفْتَقِرُوا أَبَدًا ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا ثَنَا أَبُو دَاوُدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِمْرَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنُ حَسَنَةً يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُعْطِيهِ بِهَا فِي الدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَة»‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا لَيْثٌ، قَالَ‏:‏ ثَنِي الْمُعَلَّى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «مَا أَحْسَنَ مِنْ مُحْسِنٍ، مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ إِلَّا وَقَعَ ثَوَابُهُ عَلَى اللَّهِ فِي عَاجِل دُنْيَاهُ، أَوْ آجِلِ آخِرَتِه»‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ، «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أُنْـزِلَتْ‏:‏ ‏{‏إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا‏}‏ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَاعِدٌ، فَبَكَى حِينَ أُنْـزِلَتْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا بَكْرٍ‏؟‏ ‏"‏ قَالَ‏:‏ يُبْكِينِي هَذِهِ السُّورَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏"‏ لَوْلَا أَنَّكُمْ تُخْطِئُونَ وَتُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ لَخَلَقَ اللَّهُ أُمَّةً يُخْطِئُونَ وَيُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ‏"‏»‏.‏

فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنْبِئُ عَنْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِنَّمَا يَرَى عُقُوبَةَ سَيِّئَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَثَوَابَ حَسَنَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ الْكَافِرَ يَرَى ثَوَابَ حَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَعُقُوبَةَ سَيِّئَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ مَا سَلَفَ لَهُ مِنْ إِحْسَانٍ فِي الدُّنْيَا مَعَ كُفْرِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عَلِيٍّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ‏:‏ أَدْرَكْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ، أَصْغَرُهُمُ الْحَارِثِ بْنِ سُوِيدٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ‏:‏ ‏{‏إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا‏}‏ حَتَّى بَلَغَ إِلَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ إِنَّ هَذَا إِحْصَاءٌ شَدِيدٌ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ الذَّرَّةَ دُودَةٌ حَمْرَاءُ لَيْسَ لَهَا وَزْنٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ الْعِلَاف وَمُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازَ، قَالَا‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شَبِيبُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مِثْقَالَ ذَرَّةٍ‏)‏ قَالَ ابْنُ سِنَانٍ فِي حَدِيثِهِ‏:‏ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ حَمْرَاءَ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ فِي حَدِيثِهِ‏:‏ نَمْلَةٌ حَمْرَاءُ‏.‏ قَالَ إِسْحَاقُ، قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ‏:‏ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذِهِ الدُّودَةَ الْحَمْرَاءَ لَيْسَ لَهَا وَزْنٌ‏.‏

آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ إِذَا زُلْزِلْتِ الْأَرْضُ‏.‏

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْعَادِيَاتِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تفسير الآيات رقم ‏[‏1- 11‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عُنِيَ بِالْعَادِيَّاتِ ضِبْحًا‏:‏ الْخَيْلُ الَّتِي تَعْدُو، وَهِيَ تُحَمْحِمُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْخَيْلُ، وَزَعَمَ غَيْرُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهَا الْإِبِلُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ هُوَ فِي الْقِتَالِ‏.‏

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْخَيْلُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو رَجَاءٍ، قَالَ‏:‏ سُئِلَ عِكْرِمَةُ، عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْفَرَسِ إِذَا جَرَى كَيْفَ يَضْبَحُ‏؟‏

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدِ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ‏:‏ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الدَّوَابِّ يَضْبَحُ غَيْرَ الْكَلْبِ وَالْفَرَسِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْخَيْلُ تَضْبَحُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْخَيْلُ، عَدتْ حَتَّى ضَبَحَتْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْخَيْلُ تَعْدُو حَتَّى تَضْبَحَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَ حَدِيثُ بِشَرٍّ، عَنْ يَزِيدُ؛ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ سَالِمًا يَقْرَأُ‏:‏ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْخَيْلُ عَدَّتْ ضَبْحًا‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ عَطَاءٍ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْخَيْلُ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ مَا ضَبَحَتْ دَابَّةٌ قَطُّ إِلَّا كَلْبٌ أَوْ فَرَسٌ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْخَيْلُ‏.‏

حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الرَّازِيِّ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ هِيَ الْخَيْلُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ الْإِبِلُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي أَبُو السَّائِبِ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةُ، عَنِِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْإِبِلُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ الرَّمْلِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي يَحْيَى بْنُ عِيسَى الرَّمْلِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغَيَّرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْإِبِلُ إِذَا ضَبَحَتْ تَنَفَّسَتْ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو صَخْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجْلِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ قَالَ‏:‏ بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَجَرِ جَالِسٌ، أَتَانِي رَجُلٌ يَسْأَلُ عَنْ ‏{‏الْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ الْخَيْلُ حِينَ تُغِيرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى اللَّيْلِ، فَيَصْنَعُونَ طَعَامَهُمْ، وَيُورُونَ نَارَهُمْ‏.‏ فَانْفَتَلَ عَنِّي، فَذَهَبَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ تَحْتُ سِقَايَةِ زَمْزَمِ، فَسَأَلَهُ عَنْ ‏{‏الْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ فَقَالَ‏:‏ سَأَلْتَ عَنْهَا أَحَدًا قَبَلِي‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، سَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ‏:‏ الْخَيْلُ حِينَ تُغِيرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ اذْهَبْ فَادْعُهُ لِي؛ فَلَمَّا وَقَفْتُ عَلَى رَأْسِهِ قَالَ‏:‏ تُفْتِي النَّاسَ بِمَا لَا عِلْمَ لَك بِهِ، وَاللَّهِ لَكَانَتْ أَوَّلُ غَزْوَةٍ فِي الْإِسْلَامِ لَبَدْرٌ، وَمَا كَانَ مَعَنَا إِلَّا فَرَسَانِ‏:‏ فَرَسٌ لِلزُّبَيْرِ، وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْعَادِيَّاتُ ضَبْحًا‏!‏ إِنَّمَا الْعَادِيَاتُ ضَبْحًا مِنْ عَرَفَةَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنَى؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ فَنَـزَعْتُُ عَنْ قَوْلِي، وَرَجَعْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْإِبِلُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ هُوَ فِي الْحَجِّ‏.‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الرَّازِيِّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ‏:‏ هِيَ الْإِبِلُ، يَعْنِي ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ هِيَ الْإِبِلُ‏.‏

وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ‏:‏ قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ عُنِيَ بِالْعَادِيَّاتِ‏:‏ الْخَيْلَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِبِلَ لَا تَضْبَحُ، وَإِنَّمَا تَضْبَحُ الْخَيْلُ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا تَعْدُو ضَبْحًا، وَالضَّبْحُ‏:‏ هُوَ مَا قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ‏.‏ وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدِ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ عَلِيٌّ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ الضَّبْحُ مِنْ الْخَيْلِ‏:‏ الْحَمْحَمَةُ، وَمِنْ الْإِبِلِ‏:‏ النَّفْسُ‏.‏

قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَصِفُ الضَّبْحَ‏:‏ أحْ أحْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هِيَ الْخَيْلُ تُوَرِي النَّارَ بِحَوَافِرِهَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، قَالَ‏:‏ سُئِلَ عِكْرِمَةُ، عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَوْرَتْ وَقَدَحَتْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْخَيْلُ؛ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ‏:‏ تَقْدَحُ بِحَوَافِرِهَا حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهَا النَّارُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ عَطَاءٍ ‏{‏فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَوْرَتِ النَّارَ بِحَوَافِرِهَا‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا‏}‏ تَوْرِي الْحِجَارَةَ بِحَوَافِرِهَا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْخَيْلَ هِجْنَ الْحَرْب بَيْنَ أَصْحَابِهِنَّ وَرُكْبَانُهُنَّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِجْنَ الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدْوِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِجْنَ الْحَرْبَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدْوِهِمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ‏:‏ الَّذِينَ يُورُونَ النَّارَ بَعْدَ انْصِرَافِهِمْ مِنْ الْحَرْبِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلَنِي عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا‏}‏ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ الْخَيْلُ تُغِيرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى اللَّيْلِ، فَيَصْنَعُونَ طَعَامَهُمْ وَيُورُونَ نَارَهُمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ مَكْرُ الرِّجَالِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَكْرُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ‏.‏ عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ مَكْرُ الرِّجَالِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ الْأَلْسِنَةُ

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ قَالَ‏:‏ يُقَالُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ‏{‏فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْأَلْسِنَةُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هِيَ الْإِبِلُ حِينَ تَسِيرُ تَنْسِفُ بِمَنَاسِمِهَا الْحَصَى‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ إِذَا نَسَفَتِ الْحَصَى بِمَنَاسِمِهَا، فَضَرَبَ الْحَصَى بَعْضَهُ بَعْضًا، فَيَخْرُجُ مِنْهُ النَّارَ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ‏:‏ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَقْسَمَ بِالْمُوَرَّيَاتِ الَّتِي تُوَرِي النِّيرَانَ قَدْحًا؛ فَالْخَيْلُ تُوَرِي بِحَوَافِرِهَا، وَالنَّاسُ يُورُونَهَا بِالزَّنْدِ، وَاللِّسَانِ- مَثَلًا- يُوَرِي بِالْمَنْطِقِ، وَالرِّجَالُ يُورُونَ بِالْمَكْرِ- مَثَلًا-، وَكَذَلِكَ الْخَيْلُ تُهَيِّجُ الْحَرْبَ بَيْنَ أَهْلِهَا‏:‏ إِذَا الْتَقَتْ فِي الْحَرْبِ، وَلَمْ يَضَعِ اللَّهُ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُ دُونَ بَعْضٍ فَكُلُّ مَا أَوْرَتِ النَّارُ قَدْحًا، فَدَاخِلَةٌ فِيمَا أَقْسَمَ بِهِ، لِعُمُومِ ذَلِكَ بِالظَّاهِرِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ فَالْمُغِيرَاتُ صُبْحًا عَلَى عَدُوِّهَا عَلَانِيَةً‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجْلِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلَنِي رَجُلٌ عَنِ الْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، فَقَالَ‏:‏ الْخَيْلُ تُغِيرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو رَجَاءٍ، قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ، عَنْ قَوْلِهِ ‏{‏فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَغَارَتْ عَلَى الْعَدْوِ صُبْحًا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْخَيْلُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْخَيْلُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَغَارُ الْقَوْمُ بَعْدَ مَا أَصْبَحُوا عَلَى عَدْوِّهِمْ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ثَوْرٌ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَغَارَتْ حِين أَصْبَحُوا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَغَارَ الْقَوْمُ حِين أَصْبَحُوا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ عُنِيَ بِذَلِكَ الْإِبِلَ حِينَ تَدْفَعُ بِرُكْبَانِهَا مِنْ ‏"‏جَمْع‏"‏ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى ‏"‏ مِنَى ‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‏{‏فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا‏}‏ حِينَ يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ‏.‏

وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ‏:‏ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَقْسَمَ بِالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، وَلَمْ يُخَصَّصْ^ مِنْ ذَلِكَ مُغِيرَةً دُونَ مُغِيرَةٍ، فَكُلُّ مُغِيرَةٍ صُبْحًا، فَدَاخِلَةٌ فِيمَا أَقْسَمَ بِهِ؛ وَقَدْ كَانَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ يَذْكُرُ تَفْسِيرَ هَذِهِ الْأَحْرُفِ وَيَأْبَاهَا، وَيَقُولُ‏:‏ إِنَّمَا هُوَ قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا قَسَمٌ أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ‏.‏ وَفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ كُلُّ هَذَا قَسَمٌ، قَالَ‏:‏ وَلَمْ يَكُنْ أَبِي يَنْظُرُ فِيهِ إِذَا سُئِلَ عَنْهُ، وَلَا يَذْكُرُهُ، يُرِيدُ بِهِ الْقَسَمَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَرَفَعْنَ بِالْوَادِي غُبَارًا؛ وَالنَّقْعُ‏:‏ الْغُبَارُ، وَيُقَالُ‏:‏ إِنَّهُ التُّرَابُ‏.‏ وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ ‏"‏بِه‏"‏ كِنَايَةُ اسْمِ الْمَوْضِعِ، وَكَنَّى عَنْهُ، وَلَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْر؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْغُبَارَ لَا يُثَارُ إِلَّا مِنْ مَوْضِعٍ، فَاسْتَغْنَى بِفَهْمِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَاهُ مِنْ ذِكْرِهِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ الْخَيْلُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ عَطَاءٍ وَابْنِ زَيْدٍ، قَالَ‏:‏ النَّقْعُ‏:‏ الْغُبَارُ‏.‏

حَدَّثَنَا هَنَّادٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ ‏{‏فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هِيَ أَثَارَتْ الْغُبَارَ، يَعْنِي‏:‏ الْخَيْلَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، قَالَ‏:‏ سُئِلَ عِكْرِمَةَ، عَنْ قَوْلِهِ ‏{‏فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَثَارَتِ التُّرَابَ بِحَوَافِرِهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَثَّرْنَ بِحَوَافِرِهَا نَقْعَ التُّرَابِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ أَثَّرْنَ بِهِ غُبَارًا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْبَجْلِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي عَلِيٌّ‏:‏ إِنَّمَا الْعَادِيَاتُ ضَبْحًا مِنْ عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةَ، وَمِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنَى ‏{‏فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا‏}‏‏:‏ الْأَرْضُ حِينَ تَطَؤُهَا بِأَخْفَافِهَا وَحَوَافِرهَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‏{‏فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ إِذَا سِرْنَ يُثِرْنَ التُّرَابَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَوَسَطْنَ بِرُكْبَانِهِنَّ جَمْعُ الْقَوْمِ، يُقَالُ‏:‏ وَسَطَتِ الْقَوْمَ بِالتَّخْفِيفِ، وَوَسَطَتْهُ بِالتَّشْدِيدِ، وَتَوَسَّطَتْهُ‏:‏ بِمَعْنَى وَاحِدٍ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو رَجَاءٍ، قَالَ‏:‏ سُئِلَ عِكْرِمَةُ، عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ جَمْعُ الْكُفَّارِ‏.‏

حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةََ ‏{‏فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا‏}‏ قَالَ جَمْعُ الْقَوْمِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ جَمْعُ الْقَوْمِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ عَطَاءٍ ‏{‏فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ جَمْعُ الْعَدُوِّ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ جَمْعُ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا‏}‏ فَوَسَطْنَ جَمْعُ الْقَوْمِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا‏}‏ فَوَسَطْنَ بِالْقَوْمِ جَمْعُ الْعَدُوِّ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا‏}‏ قَالَ‏:‏ وَسَطْنَ جَمْعُ الْقَوْمِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا‏}‏ الْجَمْعُ‏:‏ الْكَتِيبَةُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ ‏{‏فَوَسَطْنَ بِهِ‏}‏ مُزْدَلِفَةَ‏.‏

ذَكَر مِنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ‏{‏فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا‏}‏ يَعْنِي‏:‏ مُزْدَلِفَةَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٍ لِنِعَمِ رَبِّهِ‏.‏ وَالْأَرْضُ الْكَنُودُ‏:‏ الَّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا، قَالَ الْأَعْشَى‏:‏

أحْـدِثْ لَهَـا تُحْـدِثْ لِـوَصْلِكَ إِنَّهَـا *** كُنُـدٌ لِـوَصْلِ الزَّائِـرِ الْمُعْتـادِ

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّمَا سُمِّيَتْ كِنْدَةً‏:‏ لِقَطْعِهَا أَبَاهَا‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذَكَر مِنْ قَالَ ذَلِك‏:‏

حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْجُبَيْرِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُسْلِمٌ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَكَفُورٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ ثَنِي عَمِّي، قَالَ‏:‏ ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ لِرَبِّهِ لَكَفُورٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَكَفُورٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ هُوَ الْكَفُورُ الَّذِي يَعُدُّ الْمَصَائِبَ، وَيَنْسَى نِعَمَ رَبِّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، قَالَ‏:‏ الْكَنُودُ‏:‏ الْكَفُورُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ‏:‏ قَالَ الْحَسَنُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ لَوَّامٌ لِرَبِّهِ يَعُدُّ الْمَصَائِبَ

حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ‏:‏ ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ ‏(‏لَكَنُودٌ‏)‏ قَالَ‏:‏ لَكَفُورٍ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَكَفُورٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا سُمِّيَتْ كِنْدَةً‏:‏ أَنَّهَا قَطَعَتْ أَبَاهَا ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَكَفُورٌ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْقَاسِمِ، «عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ ‏"‏ لَكَفُورٌ، الَّذِي يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَضْرِبُ عَبْدَهُ، وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ ‏"‏»‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْكَنُودُ‏:‏ الْكَفُورُ، وَقَرَأَ‏:‏ ‏(‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ عَبْدُ الْقُدُّوسِ، قَالَ‏:‏ ثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ‏:‏ ثَنِي حَمْزَةُ بْنُ هَانِئٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ الْكَنُودُ‏:‏ الَّذِي يَنْـزِلُ وَحْدَهُ، وَيَضْرِبُ عَبْدَهُ، وَيَمْنَعُ رِفْدَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصّوارِيُّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَّارٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَقْظَانِ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَوَّامٌ لِرَبِّهِ، يَعُدُّ الْمَصَائِبَ، وَيَنْسَى النِّعِمَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُنُودِهِ رَبَّهُ لَشَهِيدٌ‏:‏ يَعْنِي لَشَاهِدٌ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ‏}‏ فِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ ‏"‏ إِنَّ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْن ُحُمَِيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانَ، عَنْ سُفْيَانَ ‏{‏وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَيْهِ شَهِيدٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَإِنَّ الْإِنْسَانَ لِحُبِّ الْمَالِ لَشَدِيدٌ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ وَصْفِهِ بِالشِّدَّةِ لِحُبِّ الْمَالِ، فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَإِنَّهُ مِنْ أَجْلِ حُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيد؛ أَيْ‏:‏ لَبَخِيلٌ؛ قَالَ‏:‏ يُقَالُ لِلْبَخِيلِ‏:‏ شَدِيدٌ وَمُتَشَدِّدٌ‏.‏ وَاسْتَشْهَدُوا لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِبَيْت طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ الْبَكْرِيِّ‏:‏

أَرَى الْمَـوْتَ يَعْتـامُ النُّفُوسَ وَيَصْطَفِي *** عَقِيلَـةَ مَـالِ الْبَـاخِلِ المُتَشَـدِّدِ

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَقَوِيٌّ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ‏:‏ كَانَ مَوْضِعٌ ‏(‏لِحُبِّ‏)‏ أَنْ يَكُونَ بَعْدُ شَدِيدٌ، وَأَنْ يُضَافَ شَدِيدٌ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ‏:‏ وَإِنَّهُ لَشَدِيدُِ حُبِّ الْخَيْرِ؛ فَلَمَّا تَقَدَّمَ الْحُبُّ فِي الْكَلَامِ، قِيلَ‏:‏ شَدِيدٌ، وَحَذْفَ مِنْ آخِرِهِ، لَمَّا جَرَى ذِكْرُهُ فِي أَوَّلِهِ وَلِرُءُوسِ الْآيَاتِ، قَالَ‏:‏ وَمِثْلَهُ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ‏}‏ وَالْعُصُوفُ لَا يَكُونُ لِلْيَوْمِ، إِنَّمَا يَكُونُ لِلرِّيحِ؛ فَلَمَّا جَرَى ذِكْرُ الرِّيحِ قَبْلَ الْيَوْمِ طَرَحَتْ مِنْ آخِرِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ فِي يَوْمٍ عَاصِفِ الرِّيحِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْخَيْرُ‏:‏ الدُّنْيَا؛ وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ ‏(‏إِنَّ تَرَك خَيْرًا‏)‏‏:‏ الْمَالُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ، وَأَيُّ شَيْءٍ هُوَ إِلَّا الْمَالُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ حَرَامًا، وَلَكِنَّ النَّاسَ يَعُدُّونَهُ خَيْرًا، فَسَمَّاهُ اللَّه خَيَّرًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُسَمُّونَهُ خَيْرًا فِي الدُّنْيَا، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَبِيثًا، وَسُمِّيَ الْقَتِّالُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ سُوءًا، وَقَرَأَ قَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ لَمْ يَمْسَسْهُمْ قِتَالٌ؛ قَالَ‏:‏ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ بِسُوءٍ، وَلَكِنْ يُسَمُّونَهُ سُوءًا‏.‏

وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ، وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ، وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ لَشَاهِدٌ‏.‏ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ‏}‏ قَدَّمَ، وَمَعْنَاهُ التَّأْخِيرُ، فَجَعَلَ مُعْتَرِضًا بَيْنَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ‏}‏، وَبَيْنَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ‏}‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٌ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ ‏{‏إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ‏}‏ قَالَ‏:‏ هَذَا فِي مَقَادِيمِ الْكَلَامِ، قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ لَشَهِيدٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ أَفَلَا يَعْلَمُ هَذَا الْإِنْسَانُ الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ، إِذَا أُثِيرَ مَا فِي الْقُبُورِ، وَأُخْرِجَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَوْتَى وَبُحِثَ‏.‏

وَذِكْر أَنَّهَا فِي مُصْحَف عَبْد اللَّه‏:‏ ‏"‏إِذَا بُحِثَ مَا فِي الْقُبُور‏"‏ وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَ ذَلِكَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ‏}‏ بُحِثَ‏.‏ وَلِلْعَرَبِ فِي ‏(‏بُعْثِرَ‏)‏ لُغَتَانِ‏:‏ تَقُولُ‏:‏ بُعْثِرَ، وَبُحْثِرَ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ وَمُيِّزَ وَبُيِّنَ، فَأُبْرِزَ مَا فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ‏:‏ ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ‏:‏ ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ أُبْرِزَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ‏:‏ ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ ‏{‏وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ مُيِّزَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ‏}‏‏.‏

يَقُولُ‏:‏ إِنَّ رَبَّهُمْ بِأَعْمَالِهِمْ، وَمَا أَسَرُّوا فِي صُدُورِهِمْ، وَأَضْمَرُوهُ فِيهَا، وَمَا أَعْلَنُوهُ بِجَوَارِحِهِمْ مِنْهَا، عَلِيمٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازِيهِمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ يَوْمَئِذٍ‏.‏

آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ وَالْعَادِيَاتِ